الذي نزلته في مدينة (روكفورد) في ولاية (إلينوي) إحدى ولايات أمريكا.
ولم يكن هنالك ما يدعو إلى مدِّ جسور تعارف بيني وبينهم، فأنا غارق حتى أذني، في دراستي وبحوثي المتعددة. وجيراني هم قبل كل شيء غربيون لا يقبلون أن يتدخل أحد في شؤونهم، ويقدسون الحرية الشخصية إلى درجة العبادة.
ولذا لم تكن هنالك دلائل تشير إلى صلات اجتماعية بهذا الشأن، لكن الغيب لـه عجائب كما يقولون، فمن كان سيصدق أن ذلك الجار سيكون أحد أصدقائي المقربين؟ وأنني سأرى فيه من اللطف ودماثة الخلق وحب الخير ما لم يكن يخطر لي على بال؟؟
تبدأ القصة في ذلك اليوم، الذي لفت نظري أن زجاجات الحليب التي تضعها شركة الحليب كل يوم، عند باب جاري قد بدأت تتكاثر لدرجة لافتة لنظر من يمرُّ أمام هذا البيت.
والشركة لا يهمها، أُخذت تلك الزجاجات أم لا؟؟ فمسؤوليتها تنتهي بإحضار الحليب للمنزل، لكن تركها على باب منزل جاري يدل دلالة أكيدة على أنه غير موجود، ولعله نسي أن يطلب من شركة الحليب إيقاف اشتراكه طوال غيبته عن المنزل.
وشعرت بحيرة شديدة، إزاء ما يحدث، لأن بقاء تلك الزجاجات، ووجودها دائماً أمام باب المنزل يعني رسالة صريحة لأي لص من اللصوص لدخول المنزل مستغلاً غيبة صاحبه عنه.
لقد مضت الأيام السابقة على خير، وستر الله على المنزل، ولكن من ذا يضمن أنها لن تكون في عين أحد المجرمين فينتهزها فرصة، ويأخذ من البيت ما شاء؟ فقد غدت الفرصة سانحة أكثر من أي وقت سابق.
كنت أحاول أن أطرد مسألة التفكير فيما سيحدث لمنزل جاري، وما شأني أنا بالموضوع من أوله إلى آخره؟ والرجل لا يعرفني ولا أعرفه، وحتى لو سرق منزله فلن يضرني هذا شيئاً أبداً؟؟!، ولكنني سرعان ما أستبعد ذلك من ذهني، وأرى من واجبي أن أعمل شيئاً، فليكن ذلك الرجل شخصاً لا أعرفه، ولكنه على الأقل جاري.
ثم إن أخذ هذه الزجاجات ووضعها عندي لن يكلفني خسارة، فإن جاء وهي ما زالت جيدة استفاد منها، وإن جاء وقد انتهت مدة صلاحيتها، فلا ذنب لي في هذا الموضوع.
ومضى قريب من أسبوعين،وأنا آخذ زجاجات الحليب من أمام منزل جاري وأضعها عندي.. وتكدست في ثلاجة منزلي الصغيرة، وكلما انتهت مدة صلاحية واحدة، تخلصت منها لكي يتسع المحل لغيرها، وقد تضايقت زوجتي وأبنائي بعض الشيء، إلا أنني شعرت أنه لا بد من إكمال المشوار، فأخبرتهم الحقيقة التي لا مفرَّ منها، وهي أنني جاد فعلاً في هذا العمل حتى أصل فيه إلى ما أريد.
وحين جاء جاري إلى منزلـه، ذهبت إليه، وقصصت عليه ما عملته. أخبرته بالقصة كاملة.. وأن زجاجات الحليب قد ملأت ثلاجتي، فضحك ضحكة صافية..
قال لي: ولماذا فعلت هذا حقيقة؟
- هو ما قلته لك.. كنت خائفاً على منزلك من السرقة.
- هذا عمل عظيم.. أشكرك عليه..
كانت حادثة الزجاجات سبباً في كسر الحائط الجليدي بيني وبين جاري، حيث دعاني إلى منزلـه أكثر من مرة، وعـرَّفني بزوجته ماري: قال إنها راهبة في مدرسة القديس يوحنا.
شعرت بانقباض شديد في نفسي، لا أدري لماذا؟ ولكن هذا ما حدث، فأنا ما تعودت طيلة حياتي أن أكون وجهاً لوجه مع راهب وراهبة، لم تكن لي رغبة في ذلك، ولم أضطر إليه حتى جاء هذا اليوم قالت بعد أن حيتني، ورحبت بي:
- لقد فعلت خيراً أيها الجار العزيز.
- هذا واجبي ( ثم أضفت):
- إن الجار لـه حق عندنا.. إننا حينما نفعل ذلك فلأن ديننا يأمرنا بذلك.. نعم إنه أمر بكل معنى الكلمة.. مأمورون فعلاً أن نحترمه، ونتعاون معه، ونكف الأذى عنه، ونساعده بقدر ما نستطيع... لقد تألمت حقيقة، حين تذكرت أن من الممكن أن يدخل لص من اللصوص بيتكم ويسرق ما يشاء، مع أني قادر على منع هذه الجريمة.
والتفتت زوجته الراهبة إليه قائلة:
- إنها غلطتك يا سميث.. !!
- دعينا من اللوم في مسألة انتهت دون مشكلة تذكر، لقد نسيت أن أطلب من الشركة أن توقف الاشتراك طيلة غيابنا، هذا كل ما في الأمر.
وحين توقف سيل الاتهامات المتبادلة بينهما، رحت أشرح لهما معنى قولـه تعالى: (والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل) وشرحت لهما معنى قولـه صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ... ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه".
ومضيت أذكر ما أحفظه عن حب الجار والعناية به وإكرامه، مما حدث في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والقرون الفاضلة الأولى، وطوال حديثي كنت أحسُّ منهما إصغاء غير عادي، شجعني على الاستمرار، فوجدتها فرصة أن أشرح لهما، قول الرسول صلى الله عليه وسلم، والله لا يؤمن.. والله لا يؤمن..
- والله لا يؤمن..
قيل: من يا رسول الله؟
- قال: من لا يأمن جاره بوائقه..
وختمت حديثي بقولي:
- وبعد هذا فما تصورتماه شيئاً مدهشاً.. فإنه أمر عادي نمارسه بتلقائية وعفوية.
أثار ذلك دهشة الزوجة وبخاصة ماري الراهبة التي صرخت قائلة:
- أوه.. !! هذا رائع.. هذا غير عادي.. لقد كنت أعتقد أن المسيحية وحدها هي دين المحبة فقط.
قال سميث معقباً:
- هذا جيِّد ...
ثم نظر إلى ماري وهو يقول:
- هل ستغضب ماري إذا طلبتُ من جارنا معلومات أكثر عن دينه الذي حدثنا عنه، يبدو لي أن هنالك خطأ في تصورنا عن الإسلام.
قالت:
- بكل سرور.. هذا يرجع إليك..
نظرت إلى تغير وجهها، وصعوبة هذا الأمر عليها، فحمدت الله تعالى على نعمة الإسلام، لأن تقبل عقيدة أخرى ليست أمراً سهلاً على النفس. ووعدت بإحضار ما طلبه سميث و ماري.
في اليوم التالي، وفي طريق عودتي من الكلية إلى المنزل مررت على مركز إسلامي، وأحضرت عدداً من الكتب المبسطة عن الإسلام.
كنت أعتقد أن لدى المركز مكتبة غنية بكتب التعريف بالإسلام والدعوة إليه، لكني حينما ذهبت وجدت أن أكثر الكتب قد نفذت، بل إن نسخ ترجمات القرآن الكريم قد نفذت من المراكز الإسلامية والمساجد لكثرة الطلب عليها. فاستعرت من الكتب الخاصة بالمكتبة، ووعدت بإعادتها على مسؤوليتي، وقدمتها لجاري وزوجته وأعطيتهما رقم المركز إذا رغبا في معلومات أكثر.
بعد فترة ليست بالطويلة، كان أحد الأصدقاء في المركز يتصل بي ويقول إن لدينا حفلة إسلام كل من سميث وماري جيرانك الذين حدثتنا عنهم، ونريدك أن تساعدنا في إعداد الحفلة، وتوفير ما تحتاج إليه، فأنت تعرف ظروف المركز.
دمعت عيناي من الفرحة.. شعرت بأطياف السعادة تحوم حولي.. اعتقـدت أنني محظوظ.. أن أكـــون ســـبباً في الدعــوة إلى الله، رغم أني لــم أبــذل في ذلك شيئاً يُذكر، لقد قمت بــأمـر بسيط.. بسيط جداً انتهى بتوفيق الله إلى هذه الغاية النبيلة.
قلت له: سوف أتكفل أنا بكل شيء في هذه الحفلة، سوف أستأذن من الكلية ذلك اليوم، وسوف أعدُّ لهما بنفسي حفلة مناسبة.!!
ولم يكن هنالك ما يدعو إلى مدِّ جسور تعارف بيني وبينهم، فأنا غارق حتى أذني، في دراستي وبحوثي المتعددة. وجيراني هم قبل كل شيء غربيون لا يقبلون أن يتدخل أحد في شؤونهم، ويقدسون الحرية الشخصية إلى درجة العبادة.
ولذا لم تكن هنالك دلائل تشير إلى صلات اجتماعية بهذا الشأن، لكن الغيب لـه عجائب كما يقولون، فمن كان سيصدق أن ذلك الجار سيكون أحد أصدقائي المقربين؟ وأنني سأرى فيه من اللطف ودماثة الخلق وحب الخير ما لم يكن يخطر لي على بال؟؟
تبدأ القصة في ذلك اليوم، الذي لفت نظري أن زجاجات الحليب التي تضعها شركة الحليب كل يوم، عند باب جاري قد بدأت تتكاثر لدرجة لافتة لنظر من يمرُّ أمام هذا البيت.
والشركة لا يهمها، أُخذت تلك الزجاجات أم لا؟؟ فمسؤوليتها تنتهي بإحضار الحليب للمنزل، لكن تركها على باب منزل جاري يدل دلالة أكيدة على أنه غير موجود، ولعله نسي أن يطلب من شركة الحليب إيقاف اشتراكه طوال غيبته عن المنزل.
وشعرت بحيرة شديدة، إزاء ما يحدث، لأن بقاء تلك الزجاجات، ووجودها دائماً أمام باب المنزل يعني رسالة صريحة لأي لص من اللصوص لدخول المنزل مستغلاً غيبة صاحبه عنه.
لقد مضت الأيام السابقة على خير، وستر الله على المنزل، ولكن من ذا يضمن أنها لن تكون في عين أحد المجرمين فينتهزها فرصة، ويأخذ من البيت ما شاء؟ فقد غدت الفرصة سانحة أكثر من أي وقت سابق.
كنت أحاول أن أطرد مسألة التفكير فيما سيحدث لمنزل جاري، وما شأني أنا بالموضوع من أوله إلى آخره؟ والرجل لا يعرفني ولا أعرفه، وحتى لو سرق منزله فلن يضرني هذا شيئاً أبداً؟؟!، ولكنني سرعان ما أستبعد ذلك من ذهني، وأرى من واجبي أن أعمل شيئاً، فليكن ذلك الرجل شخصاً لا أعرفه، ولكنه على الأقل جاري.
ثم إن أخذ هذه الزجاجات ووضعها عندي لن يكلفني خسارة، فإن جاء وهي ما زالت جيدة استفاد منها، وإن جاء وقد انتهت مدة صلاحيتها، فلا ذنب لي في هذا الموضوع.
ومضى قريب من أسبوعين،وأنا آخذ زجاجات الحليب من أمام منزل جاري وأضعها عندي.. وتكدست في ثلاجة منزلي الصغيرة، وكلما انتهت مدة صلاحية واحدة، تخلصت منها لكي يتسع المحل لغيرها، وقد تضايقت زوجتي وأبنائي بعض الشيء، إلا أنني شعرت أنه لا بد من إكمال المشوار، فأخبرتهم الحقيقة التي لا مفرَّ منها، وهي أنني جاد فعلاً في هذا العمل حتى أصل فيه إلى ما أريد.
وحين جاء جاري إلى منزلـه، ذهبت إليه، وقصصت عليه ما عملته. أخبرته بالقصة كاملة.. وأن زجاجات الحليب قد ملأت ثلاجتي، فضحك ضحكة صافية..
قال لي: ولماذا فعلت هذا حقيقة؟
- هو ما قلته لك.. كنت خائفاً على منزلك من السرقة.
- هذا عمل عظيم.. أشكرك عليه..
كانت حادثة الزجاجات سبباً في كسر الحائط الجليدي بيني وبين جاري، حيث دعاني إلى منزلـه أكثر من مرة، وعـرَّفني بزوجته ماري: قال إنها راهبة في مدرسة القديس يوحنا.
شعرت بانقباض شديد في نفسي، لا أدري لماذا؟ ولكن هذا ما حدث، فأنا ما تعودت طيلة حياتي أن أكون وجهاً لوجه مع راهب وراهبة، لم تكن لي رغبة في ذلك، ولم أضطر إليه حتى جاء هذا اليوم قالت بعد أن حيتني، ورحبت بي:
- لقد فعلت خيراً أيها الجار العزيز.
- هذا واجبي ( ثم أضفت):
- إن الجار لـه حق عندنا.. إننا حينما نفعل ذلك فلأن ديننا يأمرنا بذلك.. نعم إنه أمر بكل معنى الكلمة.. مأمورون فعلاً أن نحترمه، ونتعاون معه، ونكف الأذى عنه، ونساعده بقدر ما نستطيع... لقد تألمت حقيقة، حين تذكرت أن من الممكن أن يدخل لص من اللصوص بيتكم ويسرق ما يشاء، مع أني قادر على منع هذه الجريمة.
والتفتت زوجته الراهبة إليه قائلة:
- إنها غلطتك يا سميث.. !!
- دعينا من اللوم في مسألة انتهت دون مشكلة تذكر، لقد نسيت أن أطلب من الشركة أن توقف الاشتراك طيلة غيابنا، هذا كل ما في الأمر.
وحين توقف سيل الاتهامات المتبادلة بينهما، رحت أشرح لهما معنى قولـه تعالى: (والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل) وشرحت لهما معنى قولـه صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ... ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه".
ومضيت أذكر ما أحفظه عن حب الجار والعناية به وإكرامه، مما حدث في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والقرون الفاضلة الأولى، وطوال حديثي كنت أحسُّ منهما إصغاء غير عادي، شجعني على الاستمرار، فوجدتها فرصة أن أشرح لهما، قول الرسول صلى الله عليه وسلم، والله لا يؤمن.. والله لا يؤمن..
- والله لا يؤمن..
قيل: من يا رسول الله؟
- قال: من لا يأمن جاره بوائقه..
وختمت حديثي بقولي:
- وبعد هذا فما تصورتماه شيئاً مدهشاً.. فإنه أمر عادي نمارسه بتلقائية وعفوية.
أثار ذلك دهشة الزوجة وبخاصة ماري الراهبة التي صرخت قائلة:
- أوه.. !! هذا رائع.. هذا غير عادي.. لقد كنت أعتقد أن المسيحية وحدها هي دين المحبة فقط.
قال سميث معقباً:
- هذا جيِّد ...
ثم نظر إلى ماري وهو يقول:
- هل ستغضب ماري إذا طلبتُ من جارنا معلومات أكثر عن دينه الذي حدثنا عنه، يبدو لي أن هنالك خطأ في تصورنا عن الإسلام.
قالت:
- بكل سرور.. هذا يرجع إليك..
نظرت إلى تغير وجهها، وصعوبة هذا الأمر عليها، فحمدت الله تعالى على نعمة الإسلام، لأن تقبل عقيدة أخرى ليست أمراً سهلاً على النفس. ووعدت بإحضار ما طلبه سميث و ماري.
في اليوم التالي، وفي طريق عودتي من الكلية إلى المنزل مررت على مركز إسلامي، وأحضرت عدداً من الكتب المبسطة عن الإسلام.
كنت أعتقد أن لدى المركز مكتبة غنية بكتب التعريف بالإسلام والدعوة إليه، لكني حينما ذهبت وجدت أن أكثر الكتب قد نفذت، بل إن نسخ ترجمات القرآن الكريم قد نفذت من المراكز الإسلامية والمساجد لكثرة الطلب عليها. فاستعرت من الكتب الخاصة بالمكتبة، ووعدت بإعادتها على مسؤوليتي، وقدمتها لجاري وزوجته وأعطيتهما رقم المركز إذا رغبا في معلومات أكثر.
بعد فترة ليست بالطويلة، كان أحد الأصدقاء في المركز يتصل بي ويقول إن لدينا حفلة إسلام كل من سميث وماري جيرانك الذين حدثتنا عنهم، ونريدك أن تساعدنا في إعداد الحفلة، وتوفير ما تحتاج إليه، فأنت تعرف ظروف المركز.
دمعت عيناي من الفرحة.. شعرت بأطياف السعادة تحوم حولي.. اعتقـدت أنني محظوظ.. أن أكـــون ســـبباً في الدعــوة إلى الله، رغم أني لــم أبــذل في ذلك شيئاً يُذكر، لقد قمت بــأمـر بسيط.. بسيط جداً انتهى بتوفيق الله إلى هذه الغاية النبيلة.
قلت له: سوف أتكفل أنا بكل شيء في هذه الحفلة، سوف أستأذن من الكلية ذلك اليوم، وسوف أعدُّ لهما بنفسي حفلة مناسبة.!!